الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير **
ذكر ابن إسحاق منهم من بني هاشم جعفر بن أبي طالب وزيد بن حارثة ومن بني عدي بن كعب مسعود بن الأوس بن حارثة بن نضلة ومن بني مالك ابن حسل وهب بن سعد بن أبي سرح ومن الأنصار من بني الحرث بن الخزرج عبد الله بن رواحة وعباد بن قيس ومن بني غنم بن مالك بن النجار الحرث بن النعمان بن أساف بن نضلة بن عبد بن عوف بن غنم ومن بني مازن بن النجار سارقة بن عمرو بن عطية بن خنساء. وزاد ابن هشام عن الزهري فيهم أبا كليب وجابراً ابني عمرو بن زيد بن عوف بن مبذول وهما لأب وأم. وفي بني مالك بن أفصى عمراً وعامراً ابني سعد بن الحارث بن عباد بن سعد بن الحارث بن عباد ابن سعد بن عامر بن ثعلبة بن مالك بن أفصى.
مؤتة بضم الميم وبالهمز. ولهب بكسر اللام وسكون الهاء. وقوله في شعر ابن رواحة وضربة ذات فرغ بفتح الفاء وسكون الراء المهملة وبعدها غين معجمة قال ابن سيده وطعنة فرغاء وذات فرغ واسعة يسيل دمها.ومعان بضم الميم وقال الوقشي الصواب فتحها. وفي الغريب المصنف المبآة المنزل. والمعان مثله. والحساء جمع حسي وهو موضع رمل تحته صلابة فإذا قطرت السماء على ذلك الرمل نزل الماء فمنعته الصلابة أن يغيض ومنع الرمل السماء أن تنشفه فإذا بحث ذلك الرمل وجد الماء والحساء هاهنا اسم منزلة معروفة. وقوله فشأنك فانعمي استحسنه المبرد وكان قد أنشد قبله قول الشماخ يمدح عرابة بن أوس: إذا بلغتني وحملت رحلي عرابة فاشرقي بدم الوتين قال وقد أحسن كل الإحسان كأنه يقول: لست أحتاج أن أرحل إلى غيره قال وقد عاب بعض الرواة قوله فاشرقي في دم الوتين قال وكان ينبغي أن ينظر لها بعد استغنائه عنها. وذكر قصة الأنصارية التي نجت على الناقة وقالت إني نذرت إن نجوت عليها أن أنحرها فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم " بئس ما جزيتيها ". الحديث قلت وقد سلم بيت ابن رواحة من هذا. وقوله ولا أرجع دعاء وهو مجزوم بالدعاء ومعناه اللهم لا أرجع وهذا الدعاء ينجزم بما ينجزم به الأمر والنهي. وقال الوقشي الصواب مشتهى الثواء ولما وقع في الأصل وجه. وقوله يا زيد زيد اليعملات الذبل قال ابن إسحاق يقوله لزيد بن أرقم وكان يتيمه. قال أبو عمر قيل بل قال ذلك في غزوة مؤتة لزيد بن حارثة. وتخوم البلقاء في مختصر العين تخوم الأرض يعني بفتح التاء اسم على مثال فعول وبعضهم يقول تخوم الضم كأنه جمع وهو فصل ما بين الأرضين. وشاط هلك قال وقد يشيط على أرماحنا البطل وقوله خاشى بهم بالخاء المعجمة قال ابن قتيبة هو من الخشية كأنه خاف عليهم وقال ابن هشام ويقال فحاشى بهم.
وهي من وراء وادي القرى سميت بماء بأرض جذام يقال له السلسل وقال السهيلي ذات السلاسل بضم السين الأولى وكسر السين الثانية ماء بأرض جذام به سميت الغزاة. ثم سرية عمرو إذا ذات السلاسل وبينها وبين المدينة عشرة أيام. وكانت في جمادى الآخرة سنة ثمان قال ابن سعد قالوا بلغ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن جمعاً من قضاعة قد تجمعوا يريدون أن يدنوا إلى أطراف المدينة فدعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عمرو بن العاص وعقد له لواءً أبيض وجعل معه راية سوداء وبعثه في ثلثمائة من سراة المهاجرين والأنصار ومعهم ثلاثون فرساً وأمره أن يستعين بمن مر به من بلي وعذرة وبلقين فسار الليل وكمن النهار. فلما قرب من القوم بلغه أن لهم جمعاً كثيراً. فبعث رافع بن مكيث الجهني إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يستمده فبعث إليه أبا عبيدة بن الجراح في مائتين وعقد له لواءً وبعث معه سراة المهاجرين والأنصار وفيهم أبو بكر وعمر وأمر أن يلحق بعمرو وأن يكونا جميعاً ولا يختلفا فلحق بعمرو فأراد أبو عبيدة أن يؤم الناس فقال عمرو إنما قدمت علي مدداً وأنا الأمير فأطاع له بذلك أبو عبيدة فكان عمرو يصلي بالناس وسار حتى وطئ بلاد بلي ودوخها حتى أتى إلى أقصى بلادهم وبلاد عذرة وبلقين ولقي في آخر ذلك جمعاً فحمل عليهم المسلمون فهربوا في البلاد وتفرقوا. وبعث عوف بن مالك الأشجعي بريداً إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأخبره بقفولهم وسلامتهم وما كان في غزاتهم. وذكر ابن إسحاق نزولهم على ماء بجذام يقال له السلسل قال وبذلك سميت ذات السلاسل. أخبرنا عبد الرحيم بن يوسف المزي بقراءة والدي عليه رحمهما الله قال أنا أبو علي بن حنبل عبد الله بن الفرج الرصافي قال أنا الرئيس أبو القاسم هبة اله بن محمد بن عبد الواحد بن الحصين الشيباني قال أنا أبوعلي الحسن بن علي بن المذهب قال ثنا أبو بكر أحمد بن جعفر بن حمدان القطيعي قال أنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي حدثنا محمد بن أبي عدي عن داود عن عامر قال بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جيش ذات السلاسل فاستعمل أبا عبيدة على المهاجرين واستعمل عمرو بن العاص على الأعراب وقال لهما تطاوعا قال فكان يؤمرون أن يغيروا على بكر فانطلق عمرو وأغار على قضاعة لأن بكراً أخواله قال فانطلق المغيرة بن شعبة إلى أبي عبيدة فقال إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد استعملك علينا وإن ابن فلان قد اتبع أمر القوم فليس لك معه أمر فقال أبو عبيدة إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أمرنا أن نتطاوع فأنا أطيع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وإن عصاه عمرو.
ثم سرية الخبط أميرها أبو عبيدة بن الجراح وكانت في رجب سنة ثمان قالوا بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أبا عبيد ة بن الجراح في ثلاثمائة رجل من المهاجرين والأنصار وفيهم عمر بن الخطاب إلى حي من جهينة بالقبلية مما يلي ساحل البحر وبينها وبين المدينة خمس ليال فأصابهم في الطريق جوع شديد فأكلوا الخبط. وابتاع قيس جزراً ونحرها لهم وألقى لهم البحر حوتاً عظيماً فأكلوا منه وانصرفوا ولم يلقوا كيداً. قرأت على أبي الهيجاء غازي بن أبي الفضل الدمشقي أخبركم الشيخ أبو حفص عمر بن محمد بن طبرزذ قراءة عليه وأنت تسمع فأقر به قال أنا أبو القاسم هبة الله بن محمد بن عبد الواحد بن الحصين الشيباني قال أنا أبو طالب محمد بن محمد بن إبراهيم بن غيلان البزاز قال أنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن إبراهيم الشافعي فثنا إبراهيم بن إسحاق فثنا محمد بن سهل فثنا ابن أبي مريم قال أنا يحيى ابن أيوب قال حدثني جعفر بن ربيعة وعمرو بن الحرث أن بكر بن وسادة حدثهما أن أبا حمزة الحميري حدثه جابر بن عبد الله أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعثهم بعثاً عليهم قيس بن سعد بن عبادة فجهدوا فنحر لهم قيس تسع ركائب قال عمر في حديثه فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم " إن الجواد لمن شيمة أهل ذلك البيت ". قال إبراهيم لم يكن قيس بن سعد أمير هذا الجيش إنما كان أبو عبيدة وقيس معه كذا أخبرني محمد بن صالح عن محمد بن عمر. قال وحدثني داود بن قيس وإبراهيم بن محمد الأنصاري وخارجة بن الحرث قالوا بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أبا عبيدة في سرية فيها المهاجرون والأنصار وهم ثلاثمائة رجل إلى ساحل البحر إلى حي من جهينة فأصابهم جوع شديد فقال قيس بن سعد من يشتري مني تمراً بجزور يوفيني الجزور هاهنا وأوفيه التمر بالمدينة فجعل عمر يقول واعجباه لهذا الغلام لا مال له يدين في مال غيره فوجد رجلاً من جهينة فقال قيس بعثني جزوراً أوفيكم وسقه من تمر المدينة فقال الجهني والله ما أعرفك من أنت قال أنا ابن سعد بن عبادة بن دليم. قال الجهني ما أعرفني بنسبك وذكر كلاماً فابتاع منه خمس جزائر كل جزور بوسق من تمر يشترط عليه البدوي من تمر آل دليم يقول قيس نعم قال فأشهد لي فأشهد له نفراً من الأنصار ومعهم نفر من المهاجرين قال قيس أشهد من تحب وكان فيهن أشهد عمر بن الخطاب فقال عمر ما أشهد هذا يدين ولا مال له وإنما المال لأبيه قال الجهني والله ما كان سعد ليخني بابنه في وسقة من تمر وأرى وجهاً حسناً وفعلاً شريفاً فكان من عمر وقيس كلام حتى أغلظ لقيس وأخذ الجزر فنرها لهم في مواطن ثلاثة كل يوم جزوراً فلما كان اليوم الرابع نهاه أميره فقال تريد أن تخفر ذمتك ولا مال لك. قال محمد فحدثني محمد بن يحيى بن سهل عن أبيه عن رافع بن خديج قال أقبل أبو عبيدة ومعه عمر فقال عزمت عليك أن لا تنحر أتريد أن تخفر ذمتك قال قيس يا أبا عبيدة أترى أبا ثابت يقضي ديون الناس ويحمل الكل ويطعم في المجاعة لا يقضي عني سقة من تمر لقوم مجاهدين في سبيل الله فكاد أبو عبيدة أن يلين له وجعل عمر يقول اعزم فعزم عليه وأبى أن ينحر وبقيت جزوران فقدم بهما قيس المدينة ظهراً يتعاقبون عليهما وبلغ سعداً ما أصاب القوم من المجاعة فقال إن يك قيس كما أعرف فسينحر للقوم فلما قدم قيس ولقيه سعد فقال ما صنعت في مجاعة القوم قال نحرت. قال أصبت قال ثم ماذا قال ثم نحرت. قال أصبت. قال ثم ماذا قال ثم نحرت قال أصبت قال ثم ماذا قال ثم نهيت قال ومن نهاك قال أبو عبيدة أميري قال ولم قال زعم أنه لا مال لي وإنما المال لأبيك فقلت أبي يقضي عن الأباعد ويحمل الكل ويطعم في المجاعة ولا يصنع هذا بي قال فلك أربع حوائط أنادها حائط تجد منه خمسين وسقاً. قال وقدم البدوي مع قيس فأوفاه وسقه وحمله وكساه فبلغ النبي صلّى الله عليه وسلّم فعل قيس فقال " إنه في قلب جود ".
وروينا من طريق البخاري قال حدثنا علي بن عبد الله فثنا سفيان قال الذي حفظناه من عمرو بن دينار قال سمعت جابر بن عبد الله يقول بعثنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في ثلثمائة راكب أميرنا أبو عبيدة بن الجراح نرصد عير قريش فأقمنا بالساحل نصف شهر فأصابنا جوع شديد حتى أكلنا الخبط. فسمي ذلك الجيش جيش الخبط فألقى لنا البحر دابة يقال لها العنبر فأكلنا منها نصف شهر وأدهنا من ودكه حتى ثابت إلينا أجسامنا فأخذ أبو عبيدة ضلعاً من أعضائه فنسبه فعمد إلى أطول رجل معه قال سفيان مرة ضلعاً من أضلاعه فنصبه وأخذ سرية أبي قتادة بن ربعي إلى خضرة وهي أرض محارب ثم سرية ابي قتادة بن ربعي الأنصاري إلى خضرة وهي أرض محارب بنجد في شعبان سنة ثمان. قالوا بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أبا قتادة ومعه خمسة عشر رجلاً إلى غطفان وأمره أن يشن عليهم الغارة فسار الليل وكمن النهار فهجم على حاضر منهم عظيم فأحاط به فصرخ رجل منهم ما حضره وقاتل منهم رجال فقتلوا من أشراف لهم واستاقوا النعم فكانت الإبل مائتين بعير والغنم ألفي شاة وسبوا سبياً كثيراً وجمعوا الغنائم فأخرجوا الخمس فعزلوه فأصاب كل رجل اثني عشر بعيراً فعدل البعير بعشر من الغنم وصارت في سهم أبي قتادة جارية وضيئة فاستوهبها منه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فوهبها له فوهبها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لمحمية بن جزء وغابوا في هذه السرية خمس عشرة ليلة. قرأت على أبي الهيجاء غازي ابن أبي الفضل الدمشقي بقرافة سارية أخبركم أبو علي حنبل بن عبد الله المكبر قال أنا أبو القاسم بن الحصين قال أنا أبو علي بن المذهب قال أنا أبو بكر بن مالك قال أنا عبد الله حدثني أبي فثنا سفيان عن أيوب عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعث سرية إلى نجد فبلغت سهمانهم اثني عشر بعيراً ونفلنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعيراً بعيراً.
وهي في أول شهر رمضان سنة ثمان قالوا: لما هم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بغزو أهل مكة بعث أبا قتادة بن ربعي في ثمانية نفر سرية إلى بطن إضم وهي فيما بين ذي خشب وذي المروة وبينها وبين المدينة ثلاثة برد ليظن ظان أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم توجه إلى تلك الناحية ولأن تذهب بذلك الأخبار. وكان في السرية محلم بن جثامة الليثي فمر عامر بن الأضبط الأشجعي فسلم بتحية الإسلام فأمسك عنه القوم وحمل عليه محلم بن جثامة فقتله وسلبه متاعه وبعيره ووطب لبن كان معه فلما لحقوا بالنبي صلّى الله عليه وسلّم نزل فيهم القرآن " فمضوا فلم يلقوا جمعاً فانصرفوا حتى انتهوا إلى ذي خشب فبلغهم أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد توجه إلى مكة فأخذوا على يين حتى لقوا النبي صلّى الله عليه وسلّم بالشقيا وهي عند ابن إسحاق منسوبة لابن أبي حدرد. وذكر ابن إسحاق في خبر محلم بن جثامة بعد ذلك يوم حنين أن النبي صلّى الله عليه وسلّم صلى الظهر بحنين ثم عمد إلى ظل شجرة فجلس تحتها فقام إليهم الأقرع بن حابس وعيينة بن حصن يختصمان في عامر بن الأضبط عيينة يطلب بدمه وهو يومئذ سيد غطفان والأقرع يدفع عن محلم لمكانه من خندف فتداولا الخصومة ثم قبلوا الدية ثم قالوا أين صاحبكم هذا يستغفر له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقام رجل آدم ضرب طويل هو محلم فرفع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يديه ثم قال اللهم لا تغفر لمحلم بن جثامة ثلاثاً فقام يتلقى دمعه بفضل ردائه. الحديث. وفي حديث عن الحسن ما مكث إلا سبعاً حتى مات فلفظته الأرض مرات فعمدوا به إلى صدين فسطحوه بينهما ثم رضموا عليه الحجارة حتى واروه.
قال ابن أبي حدرد فيما حكاه ابن إسحاق: تزوجت امرأة من قومي فجئت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أستعينه على نكاحي فقال " وكم أصدقت " قلت مائتي درهم فقال " سبحان الله لو كنتم تأخذون الدراهم من بطن واد ما زدتم والله ما عندي ما أعينك به " قال فلبثت أياماً وأقبل رجل من بني جشم بن معاوية يقال له رفاعة ابن قيس أو قيس بن رفاعة في بطن عظيم من بني جشم حتى ينزل بقومه ومن معه بالغابة يريد أن يجمع قيساً على حرب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وكان ذا اسم في جشم وشرف فدعاني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ورجلين معي من المسلمين فقال " اخرجوا إلى هذا الرجل حتى تأتوا منه بخبر وعلم " قال وقدم لنا شارفاً عجفاء فحمل عليها أحدنا فوالله ما قامت به ضعفاً حتى دعمها الرجال من خلفها بأيديهم حتى استقلت وما كادت ثم قال تبلغوا عليها واعتقبوها قال فخرجنا ومعنا سلاحنا من النبل والسيوف حتى إذا جئنا قريباً من الحاضر عشيشية مع غروب الشمس كمنت في ناحية وأمرت صاحبي فكمنا في ناحية أخرى من حاضر القوم وقلت لهما إذا سمعتماني قد كبرت وشددت في ناحية العسكر فكبرا وشدا معي فوالله إنا لكذلك ننتظر غرة القوم أو أن نصيب منهم شيئاً وقد غشينا الليل حتى ذهبت فحمة العشاء وكان لهم راع سرح في ذلك البلد فأبطأ عليهم حتى تخوفوا عليه فقام صاحبهم ذلك وأخذ سيفه فجعله في عنقه ثم قال والله لأتبعن أثر راعينا هذا ولقد أصابه شر فقال نفر ممن معه والله لا تذهب أنت نحن نكفيك قال والله لا يذهب إلا أنا قالوا فنحن معك قال والله لا يتبعني أحد منكم وخرج حتى مر بي فلما أمكنني نفحته بسهم فوضعته في فؤاده فوالله ما تكلم ووثبت إليه فاحتززت رأسه وشددت في ناحية العسكر وكبرت وشد صاحباي وكبرا فوالله ما كان إلا النجاء ممن فيه عندك عندك بكل ما قدروا عليه من نسائهم وأبنائهم وما خف معهم من أموالهم واستقنا إبلاً عظيماً وغنماً كثيراً فجئنا بها إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وجئت برأسه أحمله معي فأعانني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من تلك الإبل بثلاثة عشر بعيراً في صداقي فجمعت إلى أهلي.
وكانت في شهر رمضان سنة ثمان. وكان السبب فيها فيما ذكر ابن إسحاق أن ابني بكر بن عبد مناة بن كنانة عدت على خزاعة وهم على ماء لهم بأسفل مكة يقال له الوتير. وكان الذي هاج ما بين بكر وخزاعة أن رجلاً من بني الحضرمي يقال له مالك بن عباد وحلف الحضرمي يومئذ إلى الأسود بن رزن خرج تاجراً فلما توسط أرض خزاعة عدواً عليه فقتلوه وأخذوا ماله فعدت بنو بكر على رجل من خزاعة فقتلوه فعدت خزاعة قبل الإسلام على بني الأسود بن رزن الديلي وهم متجر بني كنانة وأشرافهم سلمي وكلثوم وذؤيب فقتلوهم بعرفة عند أنصاب الحرم فبيناهم كذلك حجز بينهم الإسلام. وتشاغل الناس به فلما كان صلح الحديبية بين رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وبين قريش كان فيما شرطوا أنه من أحب أن يدخل في عقد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وعهده فليدخل فيه ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم فليدخل فدخلت بنو بكر في عهد قريش ودخلت خزاعة في عقد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فليدخل فيه ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم فليدخل فدخلت بنو بكر في عهد قريش ودخلت خزاعة في عقد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فلما كانت الهدنة اغتنمها بنو الديل بن بكر من خزاعة وأرادوا أن يصيبوا منهم ثأراً بأولئك النفر الذين أصابوا منهم في الأسود بن رزن فخرج نوفل بن معاوية الديلي في بني الديل بن بكر من كنانة حتى بيت خزاعة وهم على الوتير ماء لهم فأصابوا منهم رجلاً وتحاوروا واقتتلوا ورفدت بني بكر قريش بالسلاح وقاتل معهم من قريش من قاتل بالليل مستخفياً. ذكر ابن سعد منهم صفوان بن أمية وحويطب بن عبد العزي ومكرز بن حفص بن الأخيف حتى جاوزوا خزاعة إلى الحرم. فلما انتهوا إليه قالت بنو بكر يا نوفل إذا قد دخلنا الحرم الهك الهك. فقال كلمة عظيمة لا إله اليوم يا بني بكر أصيبوا ثأركم لعمري إنكم لتسرقون في الحرم أفلا تصيبون ثأركم فيه وقد أصابوا منهم ليلة بيتوهم بالوتير رجلاً يقال له منبه فلما دخلت خزاعة مكة لجأوا إلى دار بديل بن ورقاء الخزاعي ودار مولى لهم يقال له رافع ولما تظاهر بنو بكر وقريش على خزاعة ونقضوا ما كان بينهم وبين رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من العهد والميثاق خرج عمرو بن سالم الخزاعي قال ابن سعد في أربعين راكباً حتى قدم على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المدينة وكان ذلك ما هاج فتح مكة فوقف عليه وهو جالس في المسجد بين ظهري الناس فقال: يا رب إني ناشدٌ محمداً حلف أبينا وأبيه الأتلدا قد كنتم ولداً وكنا والداً ثمت أسلمنا فلم ننزع يدا فانصر هداك الله نصراً أعتدا وادع عباد الله يأتوا مددا فيهم رسول الله قد تجردا إن سيم خسفاً وجهه تربدا في فيلق كالبحر يجري مذبدا إن قريشاً أخلفوك الموعدا ونقضوا ميثاقك الموكدا وجعلوا لي في كداء رصدا وزعموا أن لست أدعو أحداً وهم أذل وأقل عددا هم بيتونا بالوتير هجداً وقتلونا ركعاً وسجدا يقول قتلنا وقد أسلمنا فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم " نصرت يا عمرو بن سالم " ثم عرض لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم عنان من السماء فقال إن هذه السحابة لتستهل بنصر بني كعب ثم خرج بديل بن ورقاء في نفر من بني خزاعة حتى قدموا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأخبروه بما أصيب منهم وبمظاهرة قريش بني بكر عليهم. قلت لعل الأربعين راكباً رجع إلى خبر ابن إسحاق: ثم رجعوا إلى مكة وقد قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم للناس كأنكم بأبي سفيان قد داءكم ليشد العقد ويزيد في المدة. ومضى بديل بن ورقاء في أصحابه حتى لقوا أبا سفيان بن حرب بعسفان وقد بعثته قريش إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليشد العقد ويزيد في المدة وقد رهبوا الذي صنعوا فلما لقي أبو سفيان بديل بن ورقاء قال من أين أقبلت يا بديل وظن أنه قد أتى النبي صلّى الله عليه وسلّم قال سرت في خزاعة في هذا الساحل وفي بعض هذا الوادي قال أوما جئت محمداً قال لا فلما راح بديل إلى مكة قال أبو سفيان لئن كان جاء المدينة لقد علف بها النوى فأتى مبرك راحلته فأخذ من بعرها ففته فرأى فيه النوى فقال أحلف بالله لقد جاء بديل محمداً ثم خرج أبو سفيان حتى قدم المدينة فدخل على ابنته أم حبيبة فلما ذهب ليجلس على فراش رسول الله صلّى الله عليه وسلّم طوته عنه فقال يا بنية ما أدري أرغبت بي عن هذا الفراش أم رغب به عني قالت بل هو فراش رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأنت مشرك نجس قال والله لقد أصابك بعدي شر ثم خرج حتى أتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فكلمه فلم يرد عليه شيئاً ثم ذهب إلى أبي بكر فكلمه أن يكلم له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال ما أنا بفاعل. ثم أتى عمر بن الخطاب فكلمه فقال أنا أشفع لكم إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فوالله لو لم أجد إلا الذم لجاهدتكم به. ثم جاء فدخل على علي بن أبي طالب وعنده فاطمة وحسن غلام يدب بين يديها فقال يا علي إنك أمس القوم بي رحماً وإني قد جئت في حاجة فلا أرجع كما جئت خائباً اشفع لي إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال ويحك يا أبا سفيان والله لقد عزم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على أمر ما نستطيع أن نكلمه فيه فالتفت إلى فاطمة فقال يا بنت محمد هل لك أن تأمري ابنك هذا فيجير بين الناس فيكون سيد العرب إلى آخر الدهر قالت والله ما يبلغ بني ذاك أن يجير بين الناس وما يجير أحد على رسول اله صلّى الله عليه وسلّم قال يا أبا الحسن إني أرى الأمور قد اشتدت عليّ فانصحني قال والله ما أعلم لك شيئاً يغني عنك ولكنك سيد بني كنانة فقم وأجر بين الناس ثم الحق بأرضك قال أو ترى ذلك مغنياً عني شيئاً قال لا والله ما أظنه ولكني لا أجد لك غير ذلك فقام أبو سفيان في المسجد فقال أيها الناس إني قد أجرت بين الناس ثم ركب بعيره فانطلق فلما قدم على قريش قالوا ما وراءك قال جئت محمداً فكلمته فوالله ما رد علي شيئاً ثم جئت ابن أبي قحافة فلم أجد فيه خيراً ثم جئت عمر بن الخطاب فوجدته أدنى العدو. كذا قال ابن إسحاق قال ابن هشام أعدى العدو. ثم جئت علياً فوجدته ألين القوم وقد أشار علي بشيء صنعته فوالله ما أدري هل يغني عني شيئاً أم لا قالوا وبم أمرك قال أمرني أن أجير بين الناس ففعلت قالوا فهل أجاز ذلك محمد قال لا قالوا ويلك والله إن زاد الرجل على أن لعب بك قال لا والله ما وجدت غير ذلك وأمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الناس بالجهاز وأمر أهله أني جهزوه فدخل أبو بكر على ابنته عائشة وهي تحرك بعض جهاز رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال أي بنية يريد أمركن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بتجهيزه قالت نعم فتجهز فقال فأين ترينه يريد قالت لا والله ما أدري ثم إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أعلم الناس أنه سائر إلى مكة وأمرهم بالجد والتجهز وقال " اللهم خذ العيون والأخبار عن قريش حتى نبغتها في بلادها " فتجهز الناس فكتب حاطب بن أبي بلتعة إلى قريش كتاباً يخبرهم بذلك ثم أعطاه امرأة وجعل لها جعلاً على أن تبلغه قريشاً فجعلته في قرون رأسها ثم خرجت به وأتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الخبر من السماء بما صنع حاطب فبعث علياً والزبير. وغير ابن إسحاق يقول بعث علياً والمقداد فقال وأدركا امرأة قد كتب معها حاطب بكتاب إلى قريش يحذرهم ما قد أجمعنا له في أمرهم فخرجا حتى أدركاها فاستنزلاها والتمسا في رحلها فلم يجدا شيئاً فقال لها على أني أحلف بالله ما كذب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولا كذبنا ولتخرجن هذا الكتاب أو لنكشفنك فلما رأت الجد منه قالت أعرض فأعرض فحلت قرون رأسها فاستخرجت الكتاب فدفعته إليه فأتى به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فدعا حاطباً فقال له ما حملك على هذا فقال والله إني لمؤمن بالله ورسوله ما غيرت ولا بدلت ولكني ليس لي في القوم أصل ولا عشيرة ولي بين أظهرهم ولد وأهل فصانعتهم عليهم فقال عمر بن الخطاب يا رسول الله دعني فلأضرب عنقه فإن الرجل قد نافق فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم " وما يدريك يا عمر لعل الله قد اطلع على أصحاب بدر يوم بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ". ثم مضى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لسفره فاستخلف على المدينة أبا رهم كلثوم بن الحصين الغفاري وقال ابن سعد عبد الله ابن أم مكتوم فخرج لعشر مضين من شهر رمضان فصام وصام الناس معه حتى إذا كانوا بالكديد أفطر ثم مضى حتى نزل مر الظهران في عشرة آلاف. وعميت الأخبار عن قريش فهم على وجل وارتقاب فخرج أبو سفيان بن حرب وحكيم ابن حزام وبديل بن ورقاء يتجسسون الأخبار.وكان العباس بن عبد المطلب قد خرج قبل ذلك بعياله مسلماً مهاجراً فلقي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قيل بالجحفة وقيل بذي الحليفة وكان فيمن خرج ولقي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ببعض الطريق أبو سفيان بن الحرث وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة بالأبواء وقيل بين السقيا والعرج فأعرض عنهما فقالت له أم سلمة لا يكن ابن عمك وابن عمتك أخي أشق الناس بك وقال علي لأبي سفيان فيما حكاه أبو عمر إئت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من قبل وجهه فقل له ما قال إخوة يوسف عليه السلام ليوسف " ففعل ذلك أبو سفيان قال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم " وكان أبو سفيان بعد ذلك ممن حسن إسلامه فيقال إنه ما رفع رأسه إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم منذ أسلم حياءً منه وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يحبه ويشهد له بالجنة ويقول " أرجو أن يكون خلفاً من حمزة " ويروى أنه لما حضرته الوفاة قال لا تبكوا علي فلم أنتطف بخطيئة منذ أسلمت. فلما نزل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مر الظهران وقال ابن سعد نزله عشاء فأمر أصحابه فأوقدوا عشرة آلاف نار وجعل على الحرس عمر بن الخطاب رقت نفس العباس لأهل مكة قال فجلست على بغلة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم البيضاء فخرجت عليها حتى جئت الأراك فقلت لعلي أجد بعض الحطابة أو صاحب لبن أو ذا حاجة يأتي مكة فيخبرهم بمكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليخرجوا إليه فيستأمنوه قبل أني دخلها عنوة فوالله إني لأسير عليها إذ سمعت كلام أبي سفيان وبديل بن ورقاء وهما يتراجعان وأبو سفيان يقول ما رأيت كالليلة نيراناً قط ولا عسكراً قال يقول بديل هذه والله خزاعة حمشتها الحرب فيقول أبو سفيان خزاعة أذل واقل من أن تكون هذه نيرانها وعسكرها قال فعرفت صوته فقلت يا أبا حنظلة فعرف صوتي فقال أبو الفضيل قلت نعم قال مالك فداك أبي وأمي قال قلت والله هذا رسول الله في الناس واصباح قريش والله قال فما الحيلة فداك أبي وأمي قال قلت والله لئن ظفر بك ليضربن عنقك فاركب في عجز هذه البغلة حتى آتي بك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فاستأمنه لك فركب خلفي ورجع صاحباه قال فجئت به كلما مررت بنار من نيران المسلمين قالوا من هذا وإذا رأوا بغلة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأنا عليها قالوا عمّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على بغلته حتى مررت بنار عمر بن الخطاب قال من هذا وقام إليّ فلما رأى أبا سفيان على عجز الدابة قال أبو سفيان عدو الله الحمد لله الذي أمكن منك بغير عقد ولا عهد ثم خرج يشتد نحو رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وركضت البغلة فسقت فاقتحمت عن البغلة فدخلت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ودخل عليه عمر فقال يا رسول الله هذا أبو سفيان فدعني فلأضرب عنقه قال فقلت يا رسول الله إني قد أجرته ثم جلست إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأخذت برأسه فقلت والله لا يناجيه الليلة رجل دوني فلما أكثر عمر في شأنه قلت مهلاً يا عمر فوالله لو كان من رجال بني عدي بن كعب ما قلت مثل هذا قال مهلاً يا عباس فوالله لإسلامك يوم أسلمت كان أحب إلي من إسلام الخطاب لو أسلم وما بي إلا أني قد عرفت أن إسلامك كان أحب إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من إسلام لخطاب فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم " اذهب به يا عباس إلى رحلك فإذا أصبحت فأتني به " فذهبت به فلما أصبح غدوت به إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فلما رآه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال " ويحك يا أبا سفيان ألم يأن لك أن تعلم أنه لا إله إلا الله " قال بأبي أنت وأمي ما أحلمك وأكرمك وأوصلك لقد ظننت أن لو كان مع الله إله غيره لقد أغنى شيئاً بعد قال " ويحك يا أبا سفيان ألم يأن لك أن تعلم أني رسول الله " قال بأبي أنت وأمي ما أحلمك وأكرمك وأوصلك أما والله هذه فإن في النفس حتى الآن منها شيئاً فقال له العباس ويحك أسلم واشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله قبل أن تضرب عنقك قال فشهد شهادة الحق فأسلم قال العباس قلت يا رسول الله إن أبا سفيان رجل يحب الفخر فاجعل له شيئاً قال " نعم من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ومن أغلق بابه عليه فهو آمن ومن دخل المسجد فهو آمن ثم أمر العباس أن يحبس أبا سفيان بمضيق الوادي عند خطم الجبل حتى تمر به جنود الله فيراها ففعل فمرت القبائل على راياتها كلما مرت قبيلة قال يا عباس من هذه فأقول سليم قال يقول مالي ولسليم. ثم تمر به القبيلة فيقول يا عباس ما هؤلاء فأقول مزينة فيقول مالي ولمزينة حتى نفدت القبائل ما تمر به قبيلة إلا سألني عنها فإذا أخبرته بهم قال مالي ولبني فلان حتى مر به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في كتيبته الخضراء وفيها المهاجرون والأنصار لا يرى منهم إلا الحدق من الحديد قال سبحان الله يا عباس من هؤلاء قال قلت هذا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في المهاجرين والأنصار قال ما لأحد بهؤلاء قبل ولا طاقة. وفي صحيح البخاري أن كتيبة الأنصار جاءت مع سعد بن عبادة ومعه الراية قال ولم ير مثلها ثم جاءت كتيبة هي أقل الكتائب فيهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه وراية النبي صلّى الله عليه وسلّم مع الزبير. كذا وقع عند جميع الرواة ورواه الحميدي في كتابه هي أجل الكتائب وهو الأظهر. رجع إلى الأول: فقال أبو سفيان والله يا أبا الفضل لقد أصبح ملك ابن أخيك اليوم عظيماً قال قلت يا أبا سفيان إنها النبوة قال فنعم إذن. قال قلت النجاء إلى قومك حتى إذا جاءهم صرخ بأعلى صوته يا معشر قريش هذا محمد قد جاءكم فيما لا قبل لكم به فمن دخل دار أبي سفيان فهو آمن فقامت إليه هند بنت عتبة فأخذت بشاربه فقال اقتلوا الحميت الدسم الأحمس قبح من طليعة قوم قال ويلكم لا تغرنكم هذه من أنفسكم فإنه قد جاءكم ما لا قبل لكم به من دخل دار سفيان فهو آمن قال قاتلك الله وما تغني عنا دارك قال ومن أغلق عليه بابه فهو آمن ومن دخل المسجد فهو آمن فتفرق الناس إلى دورهم وإلى المسجد. وذكر الطبري أن النبي صلّى الله عليه وسلّم وجه حكيم بن حزام مع أبي سفيان بعد إسلامهما إلى مكة وقال من دخل دار حكيم فهو آمن وهي بأسف مكة ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن وهي بأعلى مكة فكان هذا أماناً منه لكل من يقاتل من أهل مكة. ولهذا قال جماعة من أهل العلم منه الإمام الشافعي رحمه الله إن مكة مؤمنة وليست عنوة والأمان كالصلح. ورأى أن أهلها كانوا مالكون رباعهم فلذلك كان يجيز كراءها لأربابها وبيعها وشراءها لأن من أمن فقد حرم ماله ودمه وذريته وعياله فمكة مؤمنة عند من قال بهذا القول إلا الذين استثناهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأمر بقتلهم وإن وجدوا متعلقين بأستار الكعبة وأكثر أهل العلم يرون أن فتح مكة عنوة لأنها إنما أخذت بالخيل والركاب. والخلاف بين العلماء في جواز أخذ أجر المساكن بمكة أو المنع منه مشهور معروف وقد جاء في حديث عن عائشة من طريق إبراهيم بن مهاجر في مكة أنها مناخ من سبق. أخبرنا أبو عبد الله محمد بن أبي الفتح الصوري بمرج دمشق قال أنا أسعد بن سعيد بن روح وعائشة بنت معمر بن الفاخر إجازة من أصبهان قالا أخبرتنا أمر إبراهيم فاطمة الجوزدانية سماعاً قالت أنا أبو بكر بن ربذة الضبي قال أنا أبو القاسم الطبراني ثنا يوسف بن الحسن بن عبد الرحمن العباداني ثنا نصر بن علي الجهضمي ثنا وهب ابن جرير بن حازم ثنا أبي عن محمد بن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد ابن عمرو بن حزم الأنصاري عن علي بن عبد الله بن العباس عن ابن عباس قال دخل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مكة يوم الفتح وعلى الكعبة ثلثمائة وستون صنماً قد شد لهم إبليس أقدامها برصاص فجاء ومعه قضيب فجعل يهوي به إلى كل صنم منها فيخر لوجهه فيقول " ولا حرف انه لم يجر فيها قسم ولا غنيمة ولا سبي من أهلها أحد لما عظم الله من حرمتها ألا ترى إلى قوله صلّى الله عليه وسلّم " مكة حرام محرم لم تحل لأحد قبلي ولا تحل لأحد بعدي وإنما أحلت لي ساعة من نهار ثم هي حرام إلى يوم القيامة ". قال أبو عمر والأصح والله أعلم أنها بلدة مؤمنة أمّن أهلها على أنفسهم وكانت أموالهم تبعاً لهم.
|